سلطان مصر
[سلطان مصر
أخذ صلاح الدين يقوّي مركزه في مصر بعد زوال الدولة الفاطمية، ويسعى من أجل الاستقلال بها، فعمل على كسب محبة المصريين، وأسند مناصب الدولة إلى أنصاره وأقربائهوعزل قضاة الشيعة واستبدلهم بقضاة شافعيون، وألغى مجالس الدعوة وأزال أصول المذهب الشيعي الإسماعيليثم أبطل الأذان بحي على خير العمل محمد وعلي خير البشروأمر في يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة سنة 565 هـ، الموافقة سنة 1169م، بأن يذكر في خطبة الجمعة الخلفاء الراشدون جميعًا: أبو بكر الصديقوعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، كما أسس مدرستين كبيرتين في الفسطاط هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يُثبّت مذهب أهل السنة في البلاد، وكانت هاتان المدرستان تُلقنا علوم الشريعة وفق المذهبين المالكي والشافعي.
وفي صيف سنة 1172م، وردت أنباء تفيد بأن جيشًا من النوبيين ترافقه عناصر أرمنيّة قد بلغ حدود مصر ويُحضّر لحصار أسوان، فطلب أميرها المعونة العسكرية من صلاح الدين، فأرسل إليه تعزيزات بقيادة شقيقه الأكبر، توران شاه، أرغمت النوبيين على الانسحاب. عاد الجيش النوبي إلى مصر في سنة 1173م، لكنه رُدّ على أعقابه في هذه المرة أيضًا، بل تعقبه الجيش الأيوبي حتى بلاد النوبة، وفتح بلدة قصر إبريموفي ذلك الوقت، كان نور الدين زنكي لم يتخذ أي خطوة عسكرية تجاه صلاح الدين بعد، لكنه طالبه بإعادة مبلغ 200,000 دينار كان نور الدين قد خصصه لتمويل حملة أسد الدين شيركوه التي نجحت في فتح البلاد والقضاء على النفوذ الصليبي والفاطمي فيها، فدفع صلاح الدين 60,000 دينار، وأرفقها بحمل من أفضل البضائع وبعض الجواهر، إضافة لحصان عربي أصيل، وفيل، واعتبر ذلك وفاءً للدين. استغل صلاح الدين فرصة مروره في الأراضي الشامية الصليبية لتوصيل الأموال والهدايا إلى دمشق، وأغار على بعض معاقل البدو في الصحراء ليحرم الصليبيين من فرصة الاستعانة بمتقفي الأثر أو أدلاء محليين يرشدونهم في حال قرروا مهاجمة مصر أو الأراضي الإسلامية المجاورة لهم،[53] وجرى بينه وبين الإفرنج عدّة وقعات. وفي أثناء وجود صلاح الدين في الشام، أصيب والده نجم الدين أيوب بحادث أثناء امتطائه جواده، وتوفي في 27 ذي الحجة 568 هـ، بعد أيام قليلة قبل وصول صلاح الدين إلى مصروفي سنة 1174م، الموافقة سنة 569 هـ، بلغ صلاح الدين أن رجلاً باليمن استولى عليها، وملك حصونها يسمى عبد النبي بن مهدي، ولمّا تبيّن له قوّة جيشه وكثرة جنوده، سيّر صلاح الدين أخاه شمس الدولة توران شاه إلى اليمن، فقتل ابن مهدي، وأخذ البلاد منه، عندئذ أعلنت الحجاز انضمامها إلى مصر أيضًا.
أخذ نور الدين زنكي يجمع جيشًا ضخمًا في ربيع سنة 1174م، في محاولة لخلع صلاح الدين في مصر على ما يبدو، فأرسل رسلاً إلى الموصل وديار بكر والجزيرة الفراتية يحثون الرجال ويدعونهم للجهاد، غير أن تلك الحملة لم يُكتب لها أن تتم، إذ وقع نور الدين في أوائل شوال من سنة 569 هـ، الموافقة في شهر مايو من سنة 1174م بالذبحة الصدرية وبقي على فراش المرض أحد عشر يوما ليتوفى في 11 شوال سنة 569 هـ، الموافق فيه 15 مايو سنة 1174م، وهو في التاسعة والخمسين من عمره وبوفاة نور الدين، استحال صلاح الدين سيد مصر الأوحد بشكل فعليّ، حيث استقل عن كل تبعية سياسية، ويُقال أنه أقسم آنذاك أن يُصبح سيفًا مسلولاً على أعدائه وأعداء الإسلام، وأصبح هو رأس أقوى سلالة حاكمة إسلامية في ذلك العهد، هي السلالة الأيوبية، لذا جرت عادة المؤرخين على تسمية المناطق التي خضعت لسلطانه وسلطان تابعيه بالدولة الأيوبية.
تابعنا